Tuesday, September 25, 2007

في المعارضة السورية

ليس من العدل، بحقنا نحن المواطنون السوريون، شن الحملات يومياً على النظام السوري بما يمارسه من تسلط واستبداد أدى إلى فقدان كل أمل في الإصلاح والتغيير. لا نسمع سوى بيانات وشجب وتنديد من هنا وهناك ضد ممارسات النظام بحق الشعب وبحق المعارضين وأصحاب الرأي الآخر وفي أحسن الأحوال دعوات وبرامج خجولة للتغيير. لكن، هل المعارضة منزهة عن الخطأ وتسلك الطريق الصحيح نحو التغيير؟

انقسم الشعب السوري كنتيجة لإقصائه عن الحياة السياسية والشأن العام إلى قسمين: الأول مازال خاضعاً للماكينة الإعلامية للنظام ومصدقاً لما تروجه من أقوال وأفكار حول القضايا السياسية الداخلية والخارجية وفي بعض الأحيان حول الإصلاحات الخلبية في المجال الاقتصادي. أما الثاني فقد بدأ يصدق كل ما تقوله المعارضة السورية كرد فعل عاطفي تجاه تدهور الأوضاع المعيشية وفقدان مصداقية الإعلام التابع للنظام، وأصبح يضفي مسحةً من القدسية على رجالات المعارضة ومواقفهم. بل والأسوأ من ذلك أصبح، للأسف الشديد، من دواعي الوجاهة الاجتماعية الادعاء بالانتماء إلى المعارضة تنظيمياً أو فكرياً أو بالأحرى كلامياً، فأنت مثقف لمجرد أنك معارض. لم يعد التدقيق في الأقوال ومقارنتها مع الأفعال أحد الطرق المهمة التي يجب أن يسلكها المواطن في سبيل تحديد موقفه من هذا الطرف أو ذاك في قضية معينة، بل أصبح الحدس والاعتماد على تجارب سابقة هو الحكم الفاصل في تبني المواقف.

نحن بحاجة اليوم إلى مراجعة لعمل المعارضة السورية بل وأيضاً إلى التدقيق في أهداف أطرافها المختلفة المعلنة والغير معلنة. فالهدف ليس المعارضة من أجل المعارضة بذاتها، بل من أجل إحداث التغيير الضروري ليعيش المواطن حقوقه كاملة دون انتقاص في جميع المجالات. هذه المراجعة ضرورية ،من جهة أولى، لتصويب عمل المعارضة ودعمها معنوياً وفكرياً باتجاه إتمام عملية التغيير المنشودة بأقل خسائر ممكنة وبأفضل الطرق، ومن جهة أخرى لحماية أنفسنا من الفخ الذي ينصبه لنا بعض الوصوليون الذين دأبوا على ركوب الموجة السائدة لتحقيق مطامعهم الشخصية في الوصول إلى السلطة.

من هذا المنطلق أود هنا طرح رأيي بكل صراحة ووضوح ودون مواربة، من باب حق إبداء الرأي في القضايا التي تمسني بشكل مباشر كمواطن سوري، ومن خلال مراقبتي للأحداث التي تمر بنا بشكل يومي.

انعقد المؤتمر الثاني لجبهة الخلاص الوطني منذ بضعة أيام فقط وقرأت بيانها الختامي على موقع "عفرين نت" بعد بحث طويل عن هذا البيان يوم الثلاثاء الماضي والذي أثار استغرابي هو عدم نشر هذا البيان حتى تاريخ كتابة هذه السطور على الموقع الرسمي لجبهة الخلاص، وهنا إشارة استفهام كبيرة. القطبان الرئيسيان لهذه الجبهة هما عبد الحليم خدام أحد أعمدة النظام لحوالي أربعين عاماً وصدر الدين البيانوني المرشد العام للإخوان المسلمين في سوريا. ليس من المنطق أبداً غض الطرف ونسيان تاريخ خدام وجماعة الإخوان المسلمين في سوريا والقول عفا الله عن ما مضى. فلا يمكن لخدام إقناعي بأنه تغير بين ليلة وضحاها ونسف كل بنيته العقائدية وتبنى الديمقراطية فجأة. لا أجد فيه سوى شخص يريد السلطة بأي شكل من الأشكال وشاءت الأقدار أن ينفصل عن النظام بسبب خلافات شخصية ومصلحية أو بسبب انتهاء مدة صلاحيته كنائبٍ للرئيس، فلم يعد أمامه سوى الخروج من سوريا والعمل ضد النظام السوري، وليس مطالبته بالديمقراطية سوى مطية يركبها أملاً بالعودة إلى قيادة البلد من جديد. لو أنه اعترف بتاريخه النضالي في سبيل الوصول إلى بضعة مليارات الدولارات التي يمتلكها لكان في الأمر نظر. أما بالنسبة لجماعة الأخوان المسلمين، فلا أعتقد أن أحداً نسي فترة أحداث الثمانينات التي قاموا خلالها بقتل المدنيين من الشعب السوري تحت ذرائع مختلفة، طبعاً لست هنا بصدد الدفاع عن النظام، فكلاهما ارتكب أبشع الجرائم بحق الشعب السوري. لست أبداً من مؤيدي ربط الأفعال بالماضي دائماً والدوران حول نفس النقطة دون تجاوزها، ولكن ورغم تأكيدات جماعة الإخوان المسلمين المتكررة على تبنيهم الديمقراطية كخيار وطني، إلا أننا لم نلاحظ اعترافاً واضحاً من قبلهم بأخطاء الماضي ولم نلاحظ أيضاً في أدبياتهم المختلفة أن الديمقراطية والمواطنة أصبحت من صلب بنيتهم الثقافية والأيديولوجية. يبقى الأهم من تاريخ هذا وذاك هو الحاضر. ماذا قدمت جبهة الخلاص إلى الآن؟ لا شيء على أرض الواقع سوى بيانات وتصريحات هنا وهناك كالبيان الخاص بأحداث غزة والترحيب بقرار مجلس الأمن بإنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة رئيس مجلس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري (أصبح الجميع تواقين لمعاقبة قتلة الحريري، وتناسوا كل المآسي التي يعاني منها الشعب العراقي والشعب الفلسطيني، أو في أحسن الأحوال يذكرونها بشكل خجول) أو البيان الخاص باغتيال وليد عيدو. نلاحظ قاسماً مشتركاً في البيانات السابقة جميعاً، وهو التشابه الكبير بين اللغة التي تستخدمها هذه البيانات ولغة بيانات البيت الأبيض!!! لا بأس بالطبع أن تتشابه بل وتتطابق وتتقاطع بعض التوجهات والأفكار، ولكن كل البأس في أن تصل إلى حد التماهي لكن بإضافة بعض المنكهات العربية البسيطة في ما يخص القضية الفلسطينية والعراقية كرفع للعتب. مع كل هذا الصخب في البيانات نجد ما يسمى بالمشروع الوطني للتغيير وبرنامجه التنفيذي. مجرد كلمات عامة، أكاد أجزم بأن كل مبتدئ في السياسة يستطيع صياغة برنامج مشابه له، حتى أننا نجد في هذا البرنامج الكثير من الشعارات التي تعودنا على سماعها من النظام نفسه سابقاً. كما ويمكننا ملاحظة بعضاً من الخطاب السياسي الذي يروج له البيت الأبيض من مثل "وقف سياسات الاستحواذ على الأشقاء العرب والكف عن التدخل في شؤونهم...". يمكن أن يعترض أحدهم ويقول: لا يمكن الخوض في التفاصيل في البرامج والبيانات فهذا برنامج سياسي يحدد الأهداف والخطوط العريضة فقط، ومن جهة أخرى، لا يحق لك مصادرة حريتهم في التعبير عن رأيهم تجاه ممارسات النظام وكيفية صياغة العلاقات المستقبلية مع الدول العربية الأخرى. هذا الاعتراض محق تماماً من الناحية الشكلية. لكن ما أطالب به كمواطن سوري، تحاول الكثير من الجهات أن تنصيب نفسها كناطق باسمي، أن أعرف مصدر هذا البرنامج كملخص لجهد كبير من المفترض أن تلك الجهات قد قامت به. أي بعبارة أخرى أين الدراسات والمراجعات التاريخية والسياسية وحتى الاقتصادية التي قامت بها للوصول إلى تلك الخلاصة؟ دون تلك الدرسات تغدو جميع البرامج عبارة عن تنسيق لبعض الكلمات والتوجهات السياسية التي ترضي جميع الأطراف المشاركة بها والأطراف التي تستجدي دعمها للوصول إلى غاياتها. والسؤال الذي يتبادر إلى ذهني عند الحديث عن إحدى شخصيات أو تجمعات المعارضة: هل يحق لهذا التجمع ممارسة العمل السياسي والدخول في معركة الانتخابات في حال حدث التغيير المطلوب؟ أعتقد بالنسبة لجبهة الخلاص كجهة اعتبارية، بأن لها كل الحق في ذلك، ولا يجب محاكمتها على النوايا، ولكن في الجهة المقابلة من حقنا وواجبنا التساؤل عن النوايا بناءً على المعطيات التي ذكرتها لتوي.

لنتطرق إلى مثال آخر في حديثنا عن المعارضة، وهو محمد مأمون الحمصي. أؤكد مرة أخرى على رفض مقولة عفى الله عن ما مضى، فالتدقيق في تاريخ الشخصيات والمنظمات والدول يساهم إلى حد كبير في فهم الخط البياني الذي تسير عليه الأقوال والأفعال والتي من خلالها نتمكن من استقراء الأهداف المستقبلية. لنسأل مأمون الحمصي، أين كان وماذا كان يفعل قبل دخوله البرلمان السوري؟ من كان شركاؤه وحلفاؤه ولماذا اختلف معهم؟ وكيف وصل إلى البرلمان وما هي الأسباب الحقيقية وراء نقمة النظام عليه وتوجيه التهم المختلفة له والتي أدت إلى سجنه؟ لا أريد هنا نشر الشائعات ولكن يجب علي طرح مثل تلك الأسئلة بعدما تطابقت الأخبار التي سمعتها من أكثر من مصدر من أقاربه حول طبيعة أعماله وتجارته وتحالفاته السابقة. لنهتم هنا والآن بالحاضر والتساؤل عن طبيعة العمل المعارض الذي يقوم به. لم أستطع إيجاد أي عمل ذو طبيعة سياسية حقيقية لنقول عنه أنه معارض أو موالي. فمن خلال بحثي عن مواقف مأمون الحمصي وأعماله لم أجد سوى بعض البيانات والمقابلات الصحفية التي نشرت معظمها إن لم يكن جميعها على موقع شفاف الشرق الأوسط. لم أجد في هذه البيانات سوى السعي الحثيث لاستجداء الاعتراف به من قبل البيت الأبيض عن طريق التبني الكامل لجميع مقولاتها حول النظام النظام السوري وعلاقته بالوضع الإقليمي المتأزم، ومن خلال توجيه الرسائل المختلفة إلى منظمة الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية. ولكن أكثر ما يلفت النظر هو دعوته الصريحة والمباشرة لشن الحرب على سوريا. وهذا ما قاله حرفياً في البند الثالث من رسالته الموجهة إلى منظمة الأمم المتحدة، حيث يطلب منها: إنشاء قوة دولية رادعة لعصيان النظام للقرارات الدولية ومواجهة ممانعته لتنفيذها، ومواجهة برنامجه التخريبي في المنطقة قبل تنفيذه، تمهيدا لإسقاطه وسوقه للعدالة وتحرير الشعب السوري من ظلمه.

هذه الرسالة منشورة على الموقع المذكور بتاريخ 20-تموز-2007 تحت عنوان "موقف دولي مسؤول أم دمار قادم". ويفسر هذا الطلب بشكل أكبر إحدى الجمل التي قالها خلال لقاء صحفي سابق مع جريدة السياسة الكويتية والتي قال فيها: الادارة الاميركية تعترف بانها اخطأت في العراق. ولكن في كل وقت وكل ساعة لا يمكن انهاء مشاكل المنطقة, الا بان يتصدى المجتمع الدولي باكمله والولايات المتحدة لاستئصال هذا النظام وسوقه الى العدالة. ولا يتم هذا الامر الا بالقوة, لكن خشيتنا الا يحصل دمار لهذه الدول يكفي ما تعرضت له هذه المنطقة.

هذا اللقاء منشور أيضاً على نفس الموقع بتاريخ 1-تموز-2007 تحت عنوان "نظام دمشق مصنع للإرهاب".

في الحقيقة لا أرى في هذا الشخص سوى طامح لأن يكون أحمد جلبي سوريا. لا يمكننا في حالة مأمون الحمصي الدفاع عنه اعتماداً على مقولة حرية التعبير عن الرأي بأي شكل من الأشكال، حيث أكرر بأنها دعوة واضحة وصريحة لشن حرب على سوريا واحتلالها من قبل الولايات المتحدة. إنها خيانة وقحة، ولا يجوز التعامل معه أبداً كمعارض سوري، بل يجب محاكمته في أقرب فرصة ممكنة حتى لو تغير النظام السوري وحدث التغيير الديمقراطي المطلوب.

المثال الثالث في معرض الحديث عن المعارضة السورية، هو الأحزاب والشخصيات المنضوية تحت إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي. للعديد من هذه الأحزاب والشخصيات تاريخ عريق في العمل السياسي يعود في بعض الأحيان إلى خمسة عقود خلت. فالديمقراطية والحرية تشكل أحد المكونات الأساسية التي نلاحظها بوضوح عند التدقيق في أدبياتها وإطارها الفلسفي، مثل الأحزاب المكونة للتجمع الوطني الديمقراطي. يجمع هذه الأحزاب والشخصيات جديتها في النضال في سبيل الانتقال إلى نظام ديمقراطي، بالرغم من اختلاف مشاربها الفكرية، حيث نجد فيها الماركسي والاشتراكي والليبرالي. لكن هذه المعارضة مازالت ضعيفة وغير قادرة حتى الآن على التأثير في موقف المواطن السوري ناهيك عن إحداث التغيير الذي تطمح إليه في إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي. ويمكننا التماس العذر لها في التضييق الذي تتعرض له من قبل النظام من خلال الحرب الإعلامية عليه والاعتقالات المستمرة بحق شخصياتها. لكن هذا لا يعفيها من مسؤوليتها تجاه المواطن السوري التي حملتها على عاتقها. فهناك الكثير من نقاط الضعف التي تعانيها في آلية تنظيم عملها المعارض وخصوصاً طريقة التعاطي مع النظام كأيدولوجيا وممارسة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على التواصل مع المجتمع وتكوين قاعدة شعبية تستند إليها وتعمل لأجلها من أجل تحقيق الغاية. الحديث عن هذه المعارضة التي أعتبرها بذرة معارضة حقيقة يحتاج إلى مواضيع خاصة بها للبحث فيها، وهناك أكثر من نقطة يمكن التعليق عليها في إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي. وأكتفي هنا بالقول بأن هذه المعارضة بحاجة إلينا كما نحن بحاجة إليها، فلا يكفي عقد الأمل عليها في تحقيق الحلم الديمقراطي، بل واجب علينا دعمها من خلال مشاركتها عملياً أو معنوياً، ومن جهة أخرى من خلال إغناء عملها بالأفكار والنقد لمساعدتها على فهمنا كمواطنين سوريين وإدراك حاجاتنا الحقيقة لصياغة برنامج عمل بحجم الطموح والمسؤولية.

في الختام، يجب أن نصر ونعمل على الانتقال إلى نظام ديمقراطي يعتمد المواطنة كأساس له ومحمولاً من الداخل ومن خلال نضال الشعب السوري، وليس طارئاً قادماً من الخارج، حتى لا نخضع لأجندات الدول الأخرى، ولنكون مستحقين لهذه الديمقراطية وقادرين على الحفاظ عليها وتطويرها.

Tuesday, August 28, 2007

سبع سنوات أخريات2/2

قبل البدء في الموضوع، أستميحكم عذراً لأمرين، الأول هو تأخري لأكثر من خمسة أسابيع لنشر الجزء الثاني والأخير من هذه التدوينة، إلا أن ارتباطي بموعد لتسليم المرحلة الأولى من المشروع الذي أعمل عليه منذ عدة أشهر جعلني غير قادر على إتمامه قبل الآن. والثاني بسبب طول هذه التدوينة التي حاولت اختصارها قدر الإمكان. وأرجو من الجميع منحي بعضاً من وقتهم والإدلاء بآرائهم، فالهدف هو الارتقاء نحو الأفضل والوسيلة هي التعلم والتلاقح الفكري وتبادل الآراء.

عودة مرة أخرى إلى التساؤلات التي أثرتها في التدوينة السابقة. ماذا حدث خلال الأسابيع التي سبقت وتلت عملية الاستفتاء؟ ولماذا؟ وكيف؟ وما هو التفسير لكل تلك القابلية للتدجين من قبل الشعب السوري؟

في البداية يجب أن أقول أنني لست محللاً اجتماعياً أو سياسياً أو نفسياً، إلا أني في النهاية مواطن سوري أحاول فهم ما يجري من حولي، وخاصة عندما تكون الأحداث مدعاة للدهشة والذهول.

يمكننا النظر إلى أسباب تلك الظاهرة من عدة زوايا، فالأسباب التي أدت إلى ذلك على مستوى النظام تختلف عن نظيرتها على مستوى التجار ورجال الأعمال والمسؤولين وتختلف أيضاً عن تلك على مستوى المواطنين العاديين. هذا التقسيم، وكما سنرى، يظهر أمرين هما الغياب التام للمثقفين السوريين عن جميع المجالات التي يمكن أن ينشطوا فيها، إن كانت سياسية أو حتى اجتماعية وثقافية، أما الأمر الثاني فهو الطلاق ثلاثي الاتجاهات بين النظام وطبقة التجار ورجال الأعمال وباقي المواطنين.

على مستوى النظام

من الواضح أن النظام يعاني من أزمة على المستويين الخارجي والداخلي. فالضغوط الأمريكية والعربية والأوروبية لتغيير سلوك النظام تجاه الملفات المشتعلة في الشرق الأوسط من لبنان وفلسطين والعراق جعلت النظام يزداد قناعة بالإنغلاق على نفسه أكثر من ذي قبل محتمياً وراء شعاراته الأيديولوجية، فأراد النظام من خلال تضخيم ظاهرة الاحتفال بتجديد البيعة للرئيس لولاية جديدة توجيه رسالة إلى أطراف الضغط مفادها أن الشعب السوري ملتف حول قيادته ولا يمكن للقوى الخارجية إخراجه عن هذا الطريق وفك ارتباطه بالنظام، حيث يدعو النظام هذه الحالة بـ "الوحدة الوطنية"!! أما من ناحية الضغوط الداخلية، فقد زاد قلق هذا النظام من تعالي الأصوات من قبل بعض رجالات المعارضة ضاغطة باتجاه إصلاح سياسي جذري يحقق نظام حكم ديمقراطي يشارك فيه جميع فئات الشعب، هذا على الأقل ما يطرحه هؤلاء المعارضون بشكل معلن. وبغض النظر عن مدى اتفاقي أو اختلافي مع توجهاتهم وطريقتهم في إدارة هذا الحراك السياسي، إلا أن الواضح كان وكما قلت هو زيادة قلق هذا النظام من تعالي تلك الأصوات وخاصة مع الدعم المعلن، على الأقل على مستوى التصريحات الرسمية للغرب لمثل هذا الحراك، هذا القلق رأيناه واضحاً من خلال إطلاق العديد من الأحكام بالسجن على مجموعة من المعارضين، ولأسباب مختلفة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مثيرة للسخرية، تتراوح بين ثلاثة إلى اثني عشرة عاماً قبل شهر واحد فقط من موعد الاستفتاء. كانت هذه رسالة أخرى واضحة إلى الداخل تنبهه أن النظام ما زال ممسكاً بزمام الأمور في البلد وخاصة من الناحية الأمنية وأن أي حراك لا يمكن أن يكون إلا تحت مظلمة وموافقة هذا النظام، وأنه هو الوحيد الذي يحدد مدى هامش الحرية المسموح به.

على مستوى التجار ورجال الأعمال والمسؤولين

أولاً، أقصد هنا بالمسؤولين أولئك الذين يعينهم النظام في مواقع إدارة الدولة من مدراء عامين ورجال مخابرات وأمن وإعلاميين رفيعي المستوى وغيرهم.

ثانياُ، فقد وضعت التجار ورجال الأعمال مع المسؤولين في كفة واحدة لأن الطريقة التي يعي كلاً منهم مصالحه مع النظام واحدة بالرغم من اختلاف طبيعة تلك المصالح التي تتداخل فيما بينها من خلال شراكات مباشرة وغير مباشرة. وأريد أن أذكر هنا أن الكثير من رجال الأعمال الحاليين وأصحاب المشاريع الكبير هم من أبناء أو أحفاد أركان النظام الحاليين أو السابقين.

تلك الفئة التي كانت الواجهة المنظورة لتلك الظاهرة الاحتفالية خلال أسابيع الاستفتاء، كان لها عدة أهداف متقاربة إلى حد التماهي. أولها كان الحفاظ على جميع المكاسب التي حصلت عليها تلك الفئة خلال السنوات الماضية والمتمثلة بإطلاق يدها على المشاريع الحيوية في سوريا بشكل احتكاري لا ينافسها فيها حتى الدولة ذاتها، ناهيك عن المستثمرين الأجانب إلا ما رحم ربي. يمكننا من خلال ذلك أن نستنتج أنه من الطبيعي إذاً مقاومة أي فكرة أو حراك يهدف إلى تغيير الوضع الراهن بما فيه من مكاسب وقرصنة لمقدرات الوطن. وبناءً على هذا، فقد احتد التنافس فيما بينهم على اقتناص الفرص لتحقيق علاقات أوسع ولإثبات الولاء العميق، الذي لا يداخله أي شك، لفكر وشخص القائد.

بالإضافة إلى ما سبق، ومن باب تحصيل الحاصل، فإن كل تلك التكاليف التي صرفتها الدوائر الحكومية على مظاهر الاحتفال لم تسلم من المبالغة أيضاً أثناء تسجيلها على الورق، ولا أدل على ذلك من الرقم الذي ذكرته في التدوينة السابقة والبالغ مئة وخمسون ألف ليرة سورية ثمن صورة واحدة فقط لا غير والتي لا يمكن أن يكون ثمنها أكثر من ثلث هذا الرقم في أحسن الأحوال. فكانت تلك الاحتفاليات إذاً باب سرقة مفتوح لكل راغب طموح.

على المستوى الشعبي

يمكننا أن نتفهم بل ونجده من البديهي، على أساس الاستنتاج المنطقي، تلك المبالغات من قبل النظام ورجال الأعمال في تلك الظاهرة، ولكن ما استعصى على فهمي في بداية الأمر والذي ما زلت لا أتقبله إلى الآن هو هذا الانجرار الغير مسبوق للمواطن العادي وذوبانه في ذلك المجون السياسي.

سوف أقسم هذا المحور إلى مجموعة من الفقرات تسهيلاً لمتابعته وربط أفكاره بشكل أفضل:

قناعة البعض بالـ نعم

السؤال الأول الذي يمكن أن يطرح هنا: هل يريد الشعب بشار الأسد رئيساً لسوريا أم لا؟ من المؤكد أني سوف أكون بعيداً جداً عن الموضوعية إن قلت أن كل الشعب السوري أو معظمه حتى لا يريد بشار الأسد رئيساً لولاية ثانية، ولكن يمكنني أن أؤكد هنا قناعتي ومن خلال سماع رغبة كل الذين أعرفهم بأن الغالبية لا تريده. ولكن لماذا يريده البعض، كثر هذا البعض أو قل؟

- الشعب العربي عموماً عاطفي بموروثه الثقافي، أو بالأحرى عاطفي بسبب التخلف المعرفي الذي يعانيه. فمن السهل جداً التأثير عاطفياً على أولئك الذين لم ينالوا قسطاً من الثقافة يمكنهم من المحاكمة العقلانية وهي إحدى أهم سلبيات نظم التعليم العربي بالإضافة إلى الثقافة الإسلامية المعتمدة كلياً على النقل لا العقل، أي أن الثقافة المسيطرة على المجتمعات العربية هي ثقافة تلقي منفعلة غير فاعلة. من هنا نستطيع أن نفهم انجذاب بعض السوريين إلى الرئيس بشار الأسد من خلال شكله الذي يوحي بالبراءة إلى حد ما ولا أبالغ إن قلت أن البعض وخاصة من النساء يحبه لطوله وشكله وعيناه الملونتان!!! إن طريقته الفريدة في إلقاء الخطب التي يطغى عليها الارتجال المدروس والانفعال تؤثر مباشرة في الشعب السوري، ويكسبه تأييد الشارع ولو لفترة محدودة، ولا أدل على ذلك من رد فعل الشارع بعد كل خطاب، حيث يتم شحنه بالأمل بمستقبل أفضل على يد هذا القائد ودغدغة شعوره الرجولي والوطني والقومي انتصاراً للقضايا العربية وممانعة لمخططات التآمر التي يرسمها وينفذها الغرب بالتعاون مع العرب "الآخرين". تنعكس عملية الشحن هذه بتعاظم التأييد الشعبي له بعد كل خطاب قبل أن يعود الناس إلى همومهم اليومية وينسوا كل كلمة قالها في آخر خطاب، لأنها لا تعنيهم في حقيقة الأمر.

- في الحقيقة ساهمت الولايات المتحدة بشكل كبير في تشويه مفهوم الديمقراطية والحرية لدى شريحة واسعاً من المجتمعات العربية، بالإضافة إلى تعزيز الخوف من البدائل المحتملة لتغيير أو سقوط الأنظمة الحاكمة. فاحتلال العراق وما أفرزته من تسلط تنظيم القاعدة والمرتزقة الأجانب على رقاب العراقيين، بالإضافة إلى حرب طائفية تحرق كل ما تصادفه في طريقها ولا تميز بين مسلح ومدني وبين طفل وامرأة وشيخ، فالكل معرض للقتل أو التهجير أو الخوف. قالت لي إحدى المعلمات جملة تختصر كل ما يمكن أن يقال: نظام ديكتاتوري خير لي من الجيش الأمريكي أو ابن لادن.

- إن أردت توخي الحيادية هنا، فلازم علي القول بأن هناك فئة من الناس تؤيد النظام على قناعة تامة بصحة خيارها بقول "نعم" دون التطلع إلى أي مكاسب شخصية من وراء هذا الخيار. هذا بالطبع أمر طبيعي إن كنا نؤمن بالاختلاف.

ربما يتساءل البعض: لماذا أرجعت رغبة معظم هذا البعض السوري بقول نعم إما إلى خلل في البنية الثقافية للمجتمعات العربية أو خوفاً من البديل المجهول؟ الجواب هو انظروا إلى واقع المواطن السوري وتدهور أوضاعه المعيشية، ناهيك عن انعدام الحريات السياسية والاجتماعية والقمع والفساد، تعرفون أن هناك خللاً ما وراء كلمة نعم!!!

موظفو القطاع العام

من البديهي والغني عن التحليل والتساؤل هنا أن نرى موظفي القطاع العام بكافة فعالياته ترقص طرباً وتفارحاً (التظاهر بالفرح) لمجرد ترشيح الرئيس لولاية جديدة. فالبعض يريد كسب رضا المدير والبعض الآخر يخشى أن يتهم بانتمائه للمعارضة والتي ستكون النتيجة الطبيعية لهذه التهمة هي وضع إشارة استفهام كبيرة حول هذا الموظف وربما تجره إلى أسئلة هو بغنى عن التعرض لها.

المواطن العادي

يمكنني القول هنا: إن سيادة القانون تشكل الضمانة الأساسية لحقوق الإنسان وحرياته وحمايتها، وغياب القانون لا بديل عنه سوى سلطة القهر والقوة التي لا تنتج سوى مجتمعاً خائفاً وضعيفاً ومتخلفاً، أفراده قلقون مذعنون مسلوبو الإرادة.

هؤلاء الأفراد الضعفاء الخائفين، لا يعلمون أن لا أحد يجبرهم على ترك منازلهم والمشاركة في الاحتفالات، إلا أن الخوف والضعف في لاوعيهم يدفعهم لتلافي الشبهات ودرء المخاطر. هؤلاء الأفراد المتخلفين معرفياً وثقافياً وسياسياً وعلى جميع الأصعدة والمكبوتين جنسياً والمتعطشين لأي فسحة فرح، لا يستطيعوا أن يدركوا أن مشاركتهم في تلك الاحتفالات في سبيل الرقص مع الجنس الآخر وحضور الحفلات مجاناً والتي لا طاقة لهم على نفقاتها في الأيام العادية، تدعم ثقة النظام بنفسه وبقدرته على تدجين هذا المجتمع وتحريكه كما يشاء، فيمعن في سلوكه القائم على تقييد الأقلام وتكميم الأفواه التي يمكن أن تنشط يوماً في سبيل الدفاع عن حقوق المواطن السوري المسلوبة بقوة البطش والفساد.

كان من الممكن دراسة كل شريحة من شرائح المجتمع السوري بتفصيل أكبر والتعمق في تقسيم هذه الشرائح لأخرى أصغير في سبيل تعميق فهم ما حصل خلال تلك الأسابيع، ولكن رغبتي في عدم الإطالة أكثر من ذلك منعتني من الخوض في تفاصيل وتقسيمات أخرى. ولكن مازال هناك سؤال في ذهني: أين المثقف السوري في كل هذه المعمعة؟ وهل مازال موجوداً؟

Saturday, July 21, 2007

محاولات أولى 3

أنا عربي..

ولِمَ لا؟

فأبي عربي

وأمي عربية، وجدي عربي..

لِمَ لا

وأنا أتكلم اللغة العربية

وأسكن بلداً عربي

تطوقه حدود عربية..

ولكن ما لا أفهمه

ما معنى عربي.. أو عربية!

ما معنى عروبة؟

كل ما أسمعه تملق

كل ما أراه طائفية..

كل ما يُكتب

يجب أن يُصدق

وكل ما أكتب، حرامٌ

يجب أن يُمزق

يقولون..

أن الحكم عربي.. صادر عن الشعب العربي

وأنا لا أسمع، إلا أننا ننتظر

قرارات الإدارة الأمريكية

ويقولون..

أن النفط عربي

وأنا لا أرى في المدافئ

لا نفطاً عربياً.. ولا أجنبيا

على كل حال

أنا عربي.. و لِمَ لا؟

وفمي مسدود

وقلمي مربوط

بحبال عربية..!
10/04/2001

Wednesday, July 18, 2007

سبع سنوات أخريات2/1

مشاعر مختلطة انتابتني خلال عدة أسابيع متتالية. شعرت بالدهشة وبدت على وجهي معالم الذهول والغباء، فلم أعد أفهم ماذا يحدث من حولي! اجتاحتني مشاعر الغضب ثم اللامبالاة بل والشماتة أحياناً. أصبت بشلل تام بكافة أحاسيسي وتلبد جسدي، فلم أعد قادراً على الحراك. شيئين فقط استطعت الحفاظ عليهما يعملان على أحسن وجه، هما أذني وعيني، استطعت أن أتابع كل ما يحدث من حولي وتسجيله في ذاكرتي رغم كل العذاب الذي عرضت نفسي له أثناء تلك المتابعة، حقاً كنت مازوشياً بالاستمتاع بتعذيب نفسي وعدم تفويت أي فرصة لذلك.

تلك الأسابيع كانت فترة المجون الذي شهده الشعب السوري قبل وبعد الاستفتاء على تجديد سبع سنوات أخرى لحكم الرئيس بشار الأسد.

كانت أحداث أشهدها لأول مرة في حياتي رغم أني أتذكر جيداً ماذا كان يحدث من احتفالات بمناسبة تجديد البيعات لوالده حافظ الأسد لتولي الرئاسة مرة تلو الأخرى، ولكن هذه المرة كانت مميزة في كل شيء، بالغ الجميع فيها بكل شيء، ضاربين بعرض الحائط بكل شيء.

قلت مرة لأحدهم بأن هذا الشعب لا يستحق فعلاً أفضل من هذا النظام الذي يحكمه بالحديد والنار، وكنت حينها في لحظة غضب عارمة تبعتها لحظة لامبالاة ومن ثم حالة من الشماتة بهذا الشعب الذي أبى إلا أن يعبر عن أسوء حال يمكن أن يصل إليه الإنسان من العبودية والخوف والنفاق والدجل والفساد. ربما يعترض الكثيرين على قولي هذا، ولكن أريد أن أوضح نقطة مهمة جداً، وهي أني أميز بين شعب تخلى عن حقه في العيش بكرامة وبين حق الإنسان بوصفه كذلك بأن تحترم حريته وتصان كرامته، ولن أخوض في هذا الموضوع كثيراً لإنه بحاجة لصفحات عديدة لمناقشته.

أردت حقيقة من هذا الموضوع أن أثير العديد من التساؤلات التي تجول في خواطر الكثير منا، وجميعها تدور حول "ما الذي حدث؟" ولكن أردت بهذه المقدمة الطويلة أن أنقل بعضاً من تلك الأحاسيس المتناقضة التي اجتاحتني خلال تلك الفترة.

آلاف المضافات استقبلت الزوار والمحتفلين بمناسبة تجديد البيعة. آلاف المضافات نصبت في الشوارع على نفقة رجال الأعمال والمسؤولين. دخل الزوار تلك المضافات طمعاً بالحصول على بعض الطعام المجاني (ثقافة الكسب المجاني) ولا مانع من بعض الرقص على صوت الموسيقى والمغنين وخاصة في حال وجود بعض الفتيات.

قامت العديد من الشركات الكبرى في سوريا وخاصة شركة سيرياتل برعاية العديد من الحفلات وأحياناً غنى فيها نجوم عرب. لم يتوانى السوريون من الاحتشاد في تلك الحفلات المجانية، حتى أن أحدهم قال لي "مو كل يوم منقدر نحضر هيك حفلة ببلاش"، إنها ثقافة الكسب المجاني مرة أخرى على مبدأ المثل القائل "الأطيب من العسل، البصل ببلاش".

ملايين الصور وعبارات المحبة للرئيس القديم الجديد ملأت الشوارع في كل زاوية من زوايا سوريا. مئة وخمسون ألف ليرة سورية قيمة صورة واحدة للرئيس!!! لجنة المشتريات في إحدى الدوائر الحكومية سجلت هذا المبلغ ثمن صورة غطت واجهة مبنى تلك الدائرة، وهل يستطيع أن يحاسبها أحد على هذا المبلغ؟ فالغالي يغدو رخيصاً فداءً للوطن الذي تم اختصاره بصورة القائد!

مقابلات (عفوية) تلفزيونية مع المواطنين الذي عبروا عن الفرح الذي غمرهم بتجديد البيعة للقائد الأمل ابن القائد الخالد أخو الشهيد الباسل. تحدث الجميع عن إنجازات تمت خلال الولاية الأولى ولكن لم يحدد أياً منهم ماهي تلك الإنجازات! هنا إشارة استفهام بحجم الوطن؟ اكتفى الجميع ببعض الجمل الإنشائية يصفون عظمة تلك الإنجازات التي لم يستطع أي أحد التحدث عنها بالتفصيل لأنهم لم يلمسوها أبداً. تذكرت هنا حادثة حصلت معي عندما كنت في المرحلة الإعدادية حيث استغرب أحد المدرسين من قدرتي على الحصول على العلامات الكاملة في جميع المواد إلا مادة القومية فقلت له "لا أستطيع أن أحفظ جملاً لا أراها على أرض الواقع". هذا بالضبط ما حصل مع المواطنين، لم يستطيعوا تذكر تلك الإنجازات لإنها موجودة فقط في خطابات المسؤولين.

توجت هذه الاحتفالية بأجمل تجمع شبابي رأيته في حياتي، مسيرة الشموع، كانت رائعة بحق. صدقوني إن قلت لكم أني بكيت عندما رأيتها، كانت منظمة بشكل رائع، كانت لوحة فنية أمتعت نظري، إلا أنها كسرت قلبي ومزقتني لسببين، الأول أني بت الآن على قناعة تامة أننا نستطيع أن ننجز الكثير إذا توفرت الإرادة لذلك، والثاني أن هذه اللوحة كانت مادتها الأولية هي الشباب الجامعي الذين إن كان هناك أمل في التغيير فهم من يجب أن يكون محرك ذلك التغيير لا أن يكونوا روبوتات آلية تتحرك وتهتف بما يريد الآخرين.

هل تعلمون كم كانت الكلفة التقديرية لهذه المناسبة؟ مليار دولار، حسبما قرأت في أحد مواقع الانترنت! لا يهم إن كان هذا الرقم دقيقاً أم لا، ولكن من شاهد الفعاليات سوف يصدق هذا الرقم وربما يقول أن هذا الرقم أقل من الرقم الحقيقي.

ولكن، ما الذي حدث؟ ولماذا؟ وكيف حدث ذلك؟ وما هو التفسير لكل تلك القابلية للتدجين من قبل الشعب السوري؟ هذه الأسئلة التي أردت طرحها هنا. ولكن ليس الآن حتى لا أطيل عليكم كثيراً، وأراكم في التدوينة القادمة وقد حاولتم الإجابة على تلك التساؤلات، مثلما فعلت أنا ولكن بعد مضي أيام طويلة عندما استطعت تجاوز الأزمة النفسية ولملمت شتات روحي.

Thursday, June 14, 2007

!!أنت كافر

أنت كافر. كثيراً ما أسمع هذا الوصف يوجه إلي من وكلاء الله على الأرض. كثيراً ما أسمع هذا الوصف يوجه من الجميع إلى الجميع، وأسأل نفسي: من أعطى هؤلاء الصلاحية ليحكموا على الآخرين بالكفر أو بالإيمان؟ بالصلاح أو بالفساد؟ مهما علت أو تواضعت أو انعدمت مراتبهم الدينية والاجتماعية والسياسية، من أوكلهم بالحكم على البشر؟

يقول بعض هؤلاء الوكلاء: طالما أنت كافر فماذا يزعجك بهذا الوصف؟ إلا إن كنت خجلاً من قناعاتك.

نعم أنا أفتخر بقناعاتي كما أي إنسان آخر وهذا من حق الجميع، لكن هناك فرق شاسع بين أن تقول كافر وبين أن تقول ملحد أو لا ديني مثلاً، فكلمة كافر لها وقع غير محبب عند الجميع لعدة أسباب.

السبب الأول: هو المعنى اللغوي لهذه الكلمة فهي تعني الجحود أو ستر الحق بعد معرفته، ولو تمعنا بهذا المعنى جيداً لوجدنا أن هذا الوصف فعلاً يسيء إلي أخلاقياً فالجحود صفة ذميمة بحق أي إنسان، فتخيل نفسك وقد قدم لك شخص ما يد المساعدة في تسيير بعض شؤونك ثم أنكرت عليه عمله، أليس هذا هو الجحود بعينه؟ أليس تلك صفة ذميمة؟ هل يقل أياً منا تلك الصفة على نفسه؟ بالتأكيد لا، ومن ناحية أخرى فهذا الوصف يسيء إلي كإنسان اتخذ قناعاته بعد طول تفكير وتمعن وبحث وبالتالي أنا أؤمن بأفكاري كحقائق نسبية ولست ممن يعرفون الحقيقة وينكروها أو يحجبوها عن الآخرين.

السبب الثاني: وهو نفسي، أو بالأحرى ناتج عن رواسب اجتماعية، فقد اعتدنا منذ أن كنا صغاراً لا نفقه شيئاً في هذه الحياة أن يطلق هذا الوصف بطريقة توحي إليك بأن الموصوف ذو أخلاق ذميمة ولا يصلح لأن يكون بشراً بالأساس. جربوا معي أن ترددوا كلمة كافر عدة مرات بالطريقة التي نسمعها عادة، ألن تشعروا بالإشمئزاز؟

السبب الثالث: نحن نشعر عندما ينعتنا أحد بهذه الصفة بأن هناك فوهة مدفع مصوبة إلى رأسنا من الخلف وقد أشعل أحدهم الفتيل لقتلنا، إنه الشعور بالخوف من الموت والشعور بالغدر ربما من أقرب الناس إليك الذين يدعون الغيرة على الدين ولو حساب حياة أهلهم، أولم نسمعهم يقولون (فداك أمي وأبي يا رسول الله)؟

السبب الرابع: انتشار التكفيريين واستخدامهم لهذا الوصف ليبرروا غاياتهم وأفعالهم الدنيئة والإجرامية، فيكفي أن يصفك أحد متنفذيهم بالكافر حتى تسير جنازتك في اليوم التالي. فقد بات هذا المصطلح يستخدم على نطاق واسع حتى بين عامة الناس كسبيل (لتخريسك) اثناء النقاش، فما أن تنتقد تصرف معين لجهة إسلامية أو حتى تخالفه الرأي حتى توصف بالكافر أو بقليل الإيمان بأحسن الأحوال.

وأريد أن أختم برثائي لحالنا، فعندما أرى حال العراق ولبنان وفلسطين وأرى بوادر انقسام مذهبي في مصر وسوريا.... أعود إلى التاريخ فأجد حرب الثلاثين عاماً التي درات بين الطوائف المسيحية في أوروبا والتي انتهت بصلح ويستفاليا عام 1648. واضطرت أوروبا حينها إلى فصل الدين عن الدولة. أرجو ألا يصل العرب إلى مثل تلك الحرب، إلا أني للأسف أرى الخطوات حثيثة إليها وسوف يضطر الجميع في النهاية القبول بمبدأ فصل الدين عن السياسة (لا أقول هنا علمانية لأن الجميع يختلف على مفهومها) بل أكرر فصل الدين عن السياسة. هل يجب أن نخوض تلك الحروب وتسيل تلك الأنهار من الدماء وتتراكم بقايا البيوت ودور العبادة فوق جثثنا حتى نعترف بهذا المبدأ كسبيل للتصالح مع الذات وترسيخ مبدأ المواطنة وننهي مثل هذه المهازل التي تحدث باسم الدين والطوائف؟

Monday, June 11, 2007

جرائم الشرف والتحيز ضد المرأة

كلما عشت عاماً آخر ازداد جهلي بهذا العالم. كل يوم أصاب بخيبة أمل مما أراه من حولي في هذه المجتمعات العربي. كلما تفاءلت خيراً بجيل الشباب أصدم بحدث لم أكن أتخيل أنه من الممكن أن يحدث بسبب جهل هذا الجيل.

إنها جرائم الشرف ضد النساء، جرائم يرتكبها القانون كل يوم في الدول العربية. البارحة كانت سناء واليوم صفاء وغداً حسناء. جرائم ترتكب كل يوم بمباركة من القانون والأعراف الاجتماعية البالية والتي لم تعد تصلح إلا للرمي في مزابل التاريخ.

منذ مدة قرأت على موقع سيريانيوز خبراً عن فتاة قتلها أخوها في مدينة الحسكة في سوريا لأنها اختطفت من قبل شاب آثم.

http://www.syria-news.com/

readnews.php?sy_seq=46747

نعم قتلت الفتاة مرتين، مرة عندما اختطفت ومرة عندما نحرها أخوها. لم يجد هذا الشاب عاراً أكثر من اغتصاب أخته، نسي كل العار الذي لحق به عندما أصبح تحت أقدام الحضارة، نسي العار الذي لحق به عندما داست أجهزة الأمن والمخابرات بالحذاء على رقبته، نسي عاره عندما كشفت عورته أمام أعدائه ليغتصبوها متى أرادوا، غض الطرف عن كل الهزائم التي لحقت به عندما فقد صوته لقول كلمة الحق، لم يتذكر شرفه إلا عندما قام مجرم آخر باختطاف أخته. لم يختطفوك فقط بل اغتصبوك أنت ألف مرة، أفلا تتذكر ذلك؟

ومرة قرأت أيضاً على نفس الموقع خبر قتل أخ لأخته في مدينة حلب السورية وبتحريض من أهله ومن زوجها وأهل زوجها.

http://www.syria-news.com/

readnews.php?sy_seq=55305

هل يمكنكم أن تتخيلوا ما هي جريمتها؟ أتحداكم بذلك. كانت جريمتها أن زوجها كان عاقراً!!! يا لها من جريمة بشعة يمكن للمرأة أن ترتكبها! أن يكون زوجها عاقراً! نعم كان هذا الزوج المسخ مصاباً بالدوالي في خصيتيه وبعد أن أجرى العمل الجراحي للعلاج تابعت الزوجة جريمتها الكبرى بأن حملت منه! لم يقتنع أهل الزوج أنها حملت منه وأنه صار قادراً على إنجاب الأطفال رغم التقارير الطبية وحكم القاضي ببراءتها، إلا أنهم كانوا أكبر من العلم وأكبر من كل طب، فيجب أن تقتل فذبحت. غسلت تلك العائلة عار جهلها بتلك المرأة المسكينة، غسلوا عار جهل العربان بإزهاق روح إنسان بريء، غسلوا عار الفساد الذي يسري بدمهم مثل السرطان، غسلوا تلك الأموال التي أكتلتها بطونهم بغير حق.

البارحة شاهدت مقطع فيديو على موقع YouTube أصابني بحالة اكتئاب مازلت أعاني منها إلى الآن.

http://www.youtube.com/

watch?v=pB8S0KYKkXY

أصابني بحالة اشمئزاز حتى بت أشعر بالقرف من كل رجل ذو شارب يمشي في الشارع (أعتذر من كل ذي شنب عن هذا التعبير) رجل من السعودية يلقي بزوجته من النافذة وهو يقول (مغازلجية) والجموع تقف متفرجة عليها وهي تصرخ وتستنجد وتسقط. وقفوا متفرجين عليها وهي تسقط كما وقفوا متفرجين قبل ذلك عندما سقطت فلسطين وسيناء والجولان والضفة الغربية والعراق وكما سوف نسقط جميعاً في وحل الجهل والانحياز ضد المرأة. ربما ارتكبت جريمة الخيانة فعلاً، ولكن ألهذه الدرجة هي رخيصة حياة المرأة؟ هكذا يرمي بها من النافذة؟ ودون محاكمة! وفي ظل حماية القانون والأعراف! ماذا عن الرجل وهو يمرغ رأسه وأنفه في فروج العاهرات؟ نعم الجواب جاهز، إنها نزوة وندعو له بالتوبة! وربما نتفاخر بفحولة الرجل العربي. أين هي فحولتك في تقديم العلم النافع للحضارة الإنسانية؟ أين هي تلك الفحولة عندما تجتر مثل النعاج ما يقدم لك من تكنولوجيا غربية؟ وأنت بنفس الوقت لا تتوقف عن سب وشتم الغرب بسبب القيم التي صدرها إليك! مسموح للرجل بالنزوة ولكن يجب على المرأة ألا تخطئ إلى أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وإلا أصبحت عاهرة تستحق أن تداس بالأقدام.

إنها صرخة ألم أنادي بها كل ذي صاحب شرف حقيقي أن يقف ضد هذا الذبح البهائمي تحت ظل وحماية القانون والأعراف. وهي صرخة إليكن أيضاً، يا نساء العرب اتحدوا ونحن معكن لنعيد معاً ولو قليلاً من الشرف العربي المهدور بين أفخاذ العاهرات

Sunday, June 10, 2007

محاولات أولى 2

هو..

منذ البدء كان

بعد أن كان العماء

منذ البدء، بعدما أُطلق الزمان

منذ البدء، بعدما بُسط المكان

* * *

منذ البدء خان

بعد أن كان الأمان

منذ البدء قتل

بعد أن كان السلام

* * *

منذ البدء أحب

أحب وقتل

أحب أرضاً، أحب شعباً

وقتل شعباً وأحرق أرضا

* * *

منذ البدء كان

كان هو

هو الإنسان

10/1/2002