Thursday, June 14, 2007

!!أنت كافر

أنت كافر. كثيراً ما أسمع هذا الوصف يوجه إلي من وكلاء الله على الأرض. كثيراً ما أسمع هذا الوصف يوجه من الجميع إلى الجميع، وأسأل نفسي: من أعطى هؤلاء الصلاحية ليحكموا على الآخرين بالكفر أو بالإيمان؟ بالصلاح أو بالفساد؟ مهما علت أو تواضعت أو انعدمت مراتبهم الدينية والاجتماعية والسياسية، من أوكلهم بالحكم على البشر؟

يقول بعض هؤلاء الوكلاء: طالما أنت كافر فماذا يزعجك بهذا الوصف؟ إلا إن كنت خجلاً من قناعاتك.

نعم أنا أفتخر بقناعاتي كما أي إنسان آخر وهذا من حق الجميع، لكن هناك فرق شاسع بين أن تقول كافر وبين أن تقول ملحد أو لا ديني مثلاً، فكلمة كافر لها وقع غير محبب عند الجميع لعدة أسباب.

السبب الأول: هو المعنى اللغوي لهذه الكلمة فهي تعني الجحود أو ستر الحق بعد معرفته، ولو تمعنا بهذا المعنى جيداً لوجدنا أن هذا الوصف فعلاً يسيء إلي أخلاقياً فالجحود صفة ذميمة بحق أي إنسان، فتخيل نفسك وقد قدم لك شخص ما يد المساعدة في تسيير بعض شؤونك ثم أنكرت عليه عمله، أليس هذا هو الجحود بعينه؟ أليس تلك صفة ذميمة؟ هل يقل أياً منا تلك الصفة على نفسه؟ بالتأكيد لا، ومن ناحية أخرى فهذا الوصف يسيء إلي كإنسان اتخذ قناعاته بعد طول تفكير وتمعن وبحث وبالتالي أنا أؤمن بأفكاري كحقائق نسبية ولست ممن يعرفون الحقيقة وينكروها أو يحجبوها عن الآخرين.

السبب الثاني: وهو نفسي، أو بالأحرى ناتج عن رواسب اجتماعية، فقد اعتدنا منذ أن كنا صغاراً لا نفقه شيئاً في هذه الحياة أن يطلق هذا الوصف بطريقة توحي إليك بأن الموصوف ذو أخلاق ذميمة ولا يصلح لأن يكون بشراً بالأساس. جربوا معي أن ترددوا كلمة كافر عدة مرات بالطريقة التي نسمعها عادة، ألن تشعروا بالإشمئزاز؟

السبب الثالث: نحن نشعر عندما ينعتنا أحد بهذه الصفة بأن هناك فوهة مدفع مصوبة إلى رأسنا من الخلف وقد أشعل أحدهم الفتيل لقتلنا، إنه الشعور بالخوف من الموت والشعور بالغدر ربما من أقرب الناس إليك الذين يدعون الغيرة على الدين ولو حساب حياة أهلهم، أولم نسمعهم يقولون (فداك أمي وأبي يا رسول الله)؟

السبب الرابع: انتشار التكفيريين واستخدامهم لهذا الوصف ليبرروا غاياتهم وأفعالهم الدنيئة والإجرامية، فيكفي أن يصفك أحد متنفذيهم بالكافر حتى تسير جنازتك في اليوم التالي. فقد بات هذا المصطلح يستخدم على نطاق واسع حتى بين عامة الناس كسبيل (لتخريسك) اثناء النقاش، فما أن تنتقد تصرف معين لجهة إسلامية أو حتى تخالفه الرأي حتى توصف بالكافر أو بقليل الإيمان بأحسن الأحوال.

وأريد أن أختم برثائي لحالنا، فعندما أرى حال العراق ولبنان وفلسطين وأرى بوادر انقسام مذهبي في مصر وسوريا.... أعود إلى التاريخ فأجد حرب الثلاثين عاماً التي درات بين الطوائف المسيحية في أوروبا والتي انتهت بصلح ويستفاليا عام 1648. واضطرت أوروبا حينها إلى فصل الدين عن الدولة. أرجو ألا يصل العرب إلى مثل تلك الحرب، إلا أني للأسف أرى الخطوات حثيثة إليها وسوف يضطر الجميع في النهاية القبول بمبدأ فصل الدين عن السياسة (لا أقول هنا علمانية لأن الجميع يختلف على مفهومها) بل أكرر فصل الدين عن السياسة. هل يجب أن نخوض تلك الحروب وتسيل تلك الأنهار من الدماء وتتراكم بقايا البيوت ودور العبادة فوق جثثنا حتى نعترف بهذا المبدأ كسبيل للتصالح مع الذات وترسيخ مبدأ المواطنة وننهي مثل هذه المهازل التي تحدث باسم الدين والطوائف؟

No comments: