Tuesday, November 20, 2007

يحاولون حجب الشمس

نستيقظ كل يوم على خبر حجب موقع جديد على الانترنت. لا يكفي أن خدمة الانترنت لدينا في سوريا من أسوأ الخدمات المقدمة في الدول الأخرى وحتى الفقيرة منها ومن أعلى الأسعار في العالم، بل ويقومون بحجب المواقع أيضاً. حجبوا أمس موقع الـ Face Book والذي قبله موقع You Tube وقبلها العديد والعديد من المواقع الإخبارية والسياسية والمدونات. يتكلمون منذ عدة سنوات عن قانون جديد للإعلام يعطي هامشاً كبيراً من الحرية في نفس الوقت الذي يصدر فيه مجلس الوزراء قراراً يمنع على المواقع قبول أي تعليق من القراء ما لم يذكر المعلق اسمه وعنوانه تحت طائلة إغلاق الموقع بشكل نهائي. إنه الكذب والمراوغة بعينهما. يمكنني أن أفهم العقلية الأمنية التي يتمتع بها النظام عندما يحجب مواقع سياسية معادية له، ولكن ما لم أستطع إعطاء أي تفسير لحجب مواقع مثل الـ Face Book أو You Tube، من ماذا يخافون؟ هل يخشون أن يرى المواطن السوري بعضاً من أفعالهم على شكل صور أو مقاطع فيديو تفضح ممارساتهم؟ أم يا ترى يخشون من مجرد إمكانية تجمع الشباب والتعبير عن آرائهم بكل صراحة من خلال موقع مثل Face Book الذي يتيح لهم التحرك تحت أسماء مستعارة والانضمام إلى مجموعات من شتى الأشكال والاتجاهات وحتى عقد الاجتماعات لمناقشة المواضيع التي تهمهم؟ ولكن أحد التفسيرات المضحكة التي فكرت بها أيضاً هي أنهم يقومون بحجب المواقع التي تجد شيوعاً لدى مستخدم الانترنت السوري والتي تحتاج إلى نقل حجم كبير من البيانات كالصور والفيديو عن طريق الشبكة، مما يشكل ضغطاً كبيراً عليها وبالتالي تصبح الخدمة أسوأ مما هي عليه أصلاً لتفضح حقيقة الوعود الخلبية التي يطلقها وزير الاتصالات كل يوم عن تحسين واقع الانترنت في سوريا، بل وتفضح أيضاً الشعارات الرنان الذي يتغنون بها في كل مناسبة: الانترنت للجميع، المعلوماتية للجميع، تحسين واقع صناعة المعلوماتية في سوريا. لا تستغربوا، يمكن أن يكون هذا التفسير الأخير واقعياً، وخاصة لمن اعتاد على سياسة دفن الرأس في التراب بدلاً من إيجاد الحلول لمشاكل المجتمع المتعاظمة والتي لن تقود يوماً إلا إلى الانفجار الذي سوف أول ما سوف يطيح به هو مناصبهم.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: إلى متى؟ هذا السؤال ليس موجهاً إليهم، لأن جوابه معروف: طالما الشعب السوري يقبل ويهلل ويمجد كل أفعالهم وأقوالهم وتعسفهم. بل موجهاً إلى المواطن السوري: إلى متى سوف تبقى واضعاً أنت أيضاً رأسك في الرمل لا تريد رؤية الحقيقة؟ إلى متى سوف تبقى صامتاً ترى كرامتك تهدر كل يوم ولا تفكر إلا بكيف تأتي بلقمة العيش لأولادك؟ إلى متى سوف ترضى على نفسك سرقة المال العام والخاص لتأتي بالدواء لطفلك؟ هل تعتقد أن مقولة "بمشي بجنب الحيط وبقول يا ربي السترة" سوف تبعدك عن المشاكل وتجعلك تعيش براحة؟ لا والله. إنها لن تأتي إلا بنتيجة عكسية. فطالما أنت خائف وصامت ومستقيل عقلياً، فلن تهنأ بالعيش أبداً. فأنت تشجعهم على قطع الكهرباء ساعات وساعات يومياً ومن ثم يلقون اللوم عليك لأنك تستهلك أكثر من حاجتك. ويقطعون الماء عنك. ولا يفعلون شيئاً تجاه الارتفاع الجنوني للأسعار، بل ينتهجون سياسات عشوائية لن تؤدي إلا إلى تردي مستوى معيشتك. ويذلوك كل يوم ويدوسون على كرامتك لتوقيع معاملة، أو لتأمين عمل أو لتأمين طبيب لوالدتك المريضة. أم أنك استسغت طعم المر والذل الذي تذوقه كل يوم وأنت تحاول إيجاد وسيلة للنقل تقلك إلى عملك الذي لا يكفي دخله سوى لسد الرمق؟ أم أن كرامتك لم تعد تعنيك عندما يستغلك صاحب العمل ويهينك كل يوم ولا تحصل في النهاية سوى على الفتات، دون أن تجد قانوناً يحميك أو نقابة تطالب بحقوقك، فالقائمون عليها مشغولون بالحفاظ على مناصبهم وتحقيق القدر الأكبر من المنفعة وفي التمجيد لمنجزات الحركة التصحيحية وامتدادها: مسيرة التطوير والتحديث. إنهم لا يحدثون ولا يطورون سوى الأسماء والشعارات. وليس البدء الفعلي برفع الدعم عن المحروقات دون وجود بنية اقتصادية واجتماعية واقية، وليست الاعتقالات والتضييق على الحريات وحجب المواقع سوى آخر إرهاصات تلك الحركة التصحيحية وآخر إنجازات مسيرة التطوير والتحديث.

ليست المشكلة في حجب هذا الموقع أو ذاك، بل المشكلة أنهم يتمادون أكثر فأكثر، ولو استطاعوا لقننوا علينا الهواء الذي نتنفسه. إنهم يخشون من كل كلمة يمكن أن نقولها، لذلك يحاولون خنقنا لنصبح غير قادرين على المطالبة بحقنا في العيش بكرامة. لم يخطئ الكواكبي عندما قال: لو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفاً لما ظلمه.

وأريد أن أختم بالتأكيد على أمر أؤمن به تماماً: إن من يحاول حجب نور الشمس فلا بد أن تحرقه.

1 comment:

abakdash.com said...

ستحرقهم نارها ..

اغبياء , ومجانين ..